فصل: حديث يرخ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 حديث يرخ

أخبرنا ابن المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسن بن طاهر البيع قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثنا ابن رزقويه قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا ابن البراء قال‏:‏ حدثني الفضل بن حازم قال‏:‏ حدثني يوسف بن غزولا اللخمي قال‏:‏ حدثني مخلد بن ربيعة الربعي عن كعب قال‏:‏ قحطت بنو إسرائيل على عهد موسى فسألوه أن يستسقي لهم فقال اخرجوا معي إلى الجبل فخرجوا فلما صعد الجبل قال موسى‏:‏ لا يتبعني رجل أصاب ذنبًا قال‏:‏ فانصرف أكثر من نصف القوم ثم قال‏:‏ الثانية لا يتبعني من أصاب ذنبًا فانصرفوا جميعا إلا رجل أعور يقال له يرخ العابد فقال له موسى‏:‏ ألم تسمع ما قلت‏.‏

قال‏:‏ بلى قال‏:‏ فلم تصب ذنبآ قال‏:‏ ما أعلمه إلا شيئًا أذكره فإن كان ذنبًا رجعت قال‏:‏ ما هو قال‏:‏ مررت في طريق فرأيت باب حجرة مفتوح فلمحت بعيني هذه الذاهبة شخصًا لا أعلم ما هو فقلت لعيني أنت من بين يدي سارعت إلى الخطيئة لا تصحبيتي بعدها فأدخلت إصبعي فيها فقلعتها فإن كان هذا ذنبًا رجعتَ فقال موسى عليه السلام‏:‏ ليس هذا ذنبًا‏.‏

ثم قال‏:‏ إستسق يا يرخ قال‏:‏ قدوس قدوس ما عندك لا ينفد وخزائنك لا تفنى وأنت بالبخل لا ترضى فما هذا الذي لا يعرف به اسقنا الغيث الساعة الساعة قال‏:‏ فانصرفا يخوضان الوحل‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد روينا نحو هذه الحكاية فيما تقدم وأنها جرت لعيسى ابن مريم عليه السلام‏.‏

تائب من بني إسرائيل‏:‏ أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا محفوظ بن أحمد الفقيه قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين الجازري قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ أخبرنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق القاضي قال‏:‏ حدثنا يحيى بن صالح الوحاطي قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد الحضرمي عن كعب الأحبار‏:‏ إن رجلأ من بني إسرائيل أتى فاحشة فدخل نهرًا يغتسل فيه فناداه الماء يا فلان ألم تستحي ألم تتب من هذا الذنب وقلت‏:‏ إنك لا تعود فيه فخرج من الماء فزعًا وهو يقول‏:‏ لا أعصي اللّه عز وجل فأتى جبلأ فيه اثنا عشر رجَلَا يعبدون الله تعالى فلم يزل معهم حتى قحط موضعهم فنزلوا يطلبون الكلأ فمروا على ذلك النهر فقال لهم الرجل‏:‏ أمَّا أنا فلست بذاهب معكم قالوا‏:‏ لم قال‏:‏ لأن ثم من قد أطلع مني على خطيئه فأنا أستحي منه أن يراني فتركوه ومضوا فناداهم النهر يا أيها العُباد ما فعل صاحبكم قالوا‏:‏ زعم لنا أن ها هنا من قد اطلع منه على خطيئة فهو يستحي منه أن يراه قال‏:‏ يا سبحان الله إن بعضكم يغضب على ولده أو على بعض قراباته فإذا تاب ورجع إلى ما يحب أحبه وإن صاحبكم قد تاب ورجع إلى ما أحب فأنا أحبه فأتوه فأخبروه واعبدوا الله على شاطىء النهر فأخبروه فجاء معهم فأقاموا يعبدون الله زمانًا ثم إن صاحب الفاحشة توفي فناداهم النهر‏:‏ يا أيها العُباد غسلوه من مائي وادفنوه على شاطئي حتى يبعث يوم القيامة مِن قربي ففعلوا ذلك به وقالوا‏:‏ نبيت ليلتنا هذه على قبره لنبكي فإذا أصبحنا سرنا فباتوا على قبره يبكون فلما جاء وجه السحر غشيهم النعاس فأصبحوا وقد أثبت اللّه عز وجل على قبره اثنتي عشرة سروة وكان أول سرو أنبته اللّه عز وجل على وجه الأرض فقالوا‏:‏ فما أنبت اللهّ هذا الشجر فىِ هذا المكان إلا وقد أحب عبادتنا فيه فأقاموا يعبدون اللّه على قبره كلما مات فيهم رجل دفنوه إلى جانبه حتى ماتوا بأجمعهم‏.‏

قال كعب‏:‏ فكانت بنو إسرائيل يحجون إلى قبورهم رحمة الله عليهم‏.‏

قصّار من بني إسرائيل‏:‏ أنبأنا أحمد بن أحمد بن موسى الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الأصفهاني قال‏:‏ حدثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني الحسن بن الصباح قال‏:‏ حدثنا زيد بن الحباب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سبط قال‏:‏ حدثنا بكر بن عبد الله المزني‏:‏ أن قصارًا ولع بجارية لبعض جيرانه فأرسلها أهلها إلى حاجة لهم في قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها فقالت‏:‏ لا تفعل لأنا أشد حبًا لك منك ولكني أخاف الله‏.‏

فقال‏:‏ فأنت تخافينه وأنا لا أخافه فرجع ثانية فأصابه العطش حتى كاد يتقطع عنقه فإذا هو برسول الله لبعضر بني إسرائيل فسأله فقال‏:‏ ما لك‏.‏

قال‏:‏ العطش قال‏:‏ تعال حتى تدعو حتى تظلنا سحابة حتى ندخل القرية قال‏:‏ ما لي عند الله عمل فأدعو قال‏:‏ فأدعو أنا وأمِّن أنت‏.‏

قال‏:‏ فدعا الرسول وأمًن هو فأظلتهم سحابة حتى انتهوا إلى القرية فأخذ القصار إلى مكان فمالت السحابة عليه فرجع الرسول فقال‏:‏ زعمت أن ليس لك عمل وأنا الذي دعوت وأنت الذي أمنت فأظلتنا سحابة ثم تبعتك لتخبرني ما أمرك فأخبره فقال الرسول‏:‏ التائب إلى الله بمكان ليس أحد من عابدة من بني إسرائيل يقال لها سارة‏:‏ أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الثوري قال‏:‏ أخبرنا عمر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن رومي قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم جمن عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال‏:‏ أتي بامرأة من بني إسرائيل يقال لها سارة وسبعة بنين لها إلى ملك كان يفتن الناس على أكل لحم الخنزير فدعا أكبرهم فقرَّب إليه لحم الخنزير فقال‏:‏ كُل فقال‏:‏ ما كنت لآكل شيئًا حرَّمه الله عز وجل أبدًا فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ثم قطعه عضو عضوآ حتى قتله ثم دعا بالذي يليه فقال‏:‏ كُل فقال‏:‏ ما كنت لأكل شيئًا حرمه الله تعالى فأمر بقدر من نحاس فملئت زيتًا ثم أغليت حتى إذا غلت ألقاه فيها ثم دعا الذي يليه فمال‏:‏ كُل فقال‏:‏ ما كنت لآكل شيئآ حرمه الله تعالى فقتله ثم دعا الذي يليه فقال‏:‏ أنت أذل وأقل وأهولن على الله من أن آكل شيئآ حرمه الله تعالى علي فضحك الملك ومال‏:‏ أتدرون ما أراد بشتمه إياي أراد أن يغضبني فأعجل في قتله وليخطئه ذلك وأمر به فجز جلدة عنقه ثم أمر به أن يسلخ جلدة رأسه ووجهه فسلخوه سلخًا فلم يزل يقتل كل واحد منهم بلون غير قتل أخيه حتى بقي أصغرهم فالتفت به إلى أمه فقال‏:‏ لقد رثيت لك مما رأيت فانطلقي بابنك هذا فاخلي به وانقذيه على أن يأكل لقمة واحدة إخوتك حق ولي عليك حقان‏.‏

وذلك إني أرضعت كل واحد حولين فمات أبوك وأنت حمل فأرضعتك لضعفك ورحمتي إياك أربعة أعوام فاسألك بالله وحقي أما صبرت ولم تاكل شيئآ مما حرمه الله عليك ولا تلقين أخوتك يوم القيامة ولست معهم فقال‏:‏ الحمد له الذي أسمعني هذا منك أما كنت أخاف أن تريديني على أن آكل مما حرمه الله ثم جاءت به إلى الملك فقالت‏:‏ ها هو ذا قد أردته وعرضت عليه فأمره الملك أن يأكل فقال‏:‏ ما كنت لآكل شيئآ حرمه الله علي فقتله وألحقه بأخوته وقال لأمهم‏:‏ إني لأجدني أرثي لك فما رأيت اليوم ويحك فكلي لقمة ثم أصنع بك ما شئت وأعطيك ما أحببت تعيشين به‏.‏

قالت‏:‏ ما أجمع بين ثكل ولدي ومعصية الله عز وجل فلو حييت بعدهم ما أردت ذلك وما كنت لآكل شيئآ مما حرمه الله تعالى أبدًا فقتلها وألحقها ببنيها‏.‏

عقوبة كذاب على موسى عليه السلام‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن حسنون قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثنا أبو محمد السمسار قال‏:‏ أخبرنا محمد بن كثير البصري قال‏:‏ حدثنا عبيد بن واقد القيسي عن عثمان بن عبد الله عن رجل من أهل العلم قال‏:‏ كان رجل يخدم موسى عليه السلام ويتعلم منه قال‏:‏ فاستأذنه أن يرجع إلى قريته ثم يعود إليه فأذن له فانطلق فجعل يقول‏:‏ حدثني موسى كليم الله بكذا وكذا وحدثني نجي الله بكذا حتى كثر ماله وجعل موسى عليه السلام يسأل عنه ولا يخبر بشيء فبينما موسى عليه السلام قاعد إذ مر َّبه رجل يقود خزرًا في عنقه حبل والخزر لإرنب الذكر فقال‏:‏ يا عبد الله من أين أقبلت قال‏:‏ أقبلت من قرية كذا وكذا من قرية الرجل قال‏:‏ فتعرف فلانآ قال‏:‏ نعم هو الذي في يدي قال موسى‏:‏ يأ رب رده إلى حاله حتى أسأله فيما صنعت به هذا فأوحى الله تعالى إليه لو سألني آدم فمن دونه من النبيين حتى بلغ محمدًا صلي الله علية وسلم لم أرده إِلى حاله وإنما صنعت به هذا لأنه كان يطلب الدنيا بالدين‏.‏

ذو الرجل‏:‏ أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال‏:‏ حدثني محمد بن المرزبان قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد قال‏:‏ حدثنى محمد بن الحسن عن داود بن أبي الرياد عن أبيه قال‏:‏ كان راهب يتعبد في صومعة فأشرف منها فرأى امرأة ففتن بها فأخرج رجله من الصومعة لينزل إليها فلما أخرج رجله نزلت عليه العصمة وأدركته السعادة فقال‏:‏ يا لنفس رجل خرجت من الصومعة لتعصي الله يعود إليها ويكون في صومعتي معي والله لا كان هذا أبدًا قال‏:‏ فتركها معلقة خارج الصومعة يسقط عليها الثلوج والأمطار وتصيبها الشمس والرياح حتى تقطعت حديث بغي من بني إسرائيل‏:‏ أخبرنا عبد الملك بن عبد الله الكروخي قال‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي العميري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد الفامي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد المرواني قاد‏:‏ حدثنا محمد بن المنكدر قال‏:‏ حدثني الفضل بن عبد الجبار الباهلي قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن الأشعث قال‏:‏ أخبرنا المعمر بن سليمان‏.‏

قال‏:‏ سمعت أبا كعب يحدث عن الحسن قال‏:‏ كانت امرأة بغي لها ثُلث الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار وإنه أبصرها عابد فأعجبته فذهب فعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار فجاء فقال‏:‏ إنك قد أعجبتني فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حتى جمعت مائة دينار فقالت‏:‏ ادفعها إلى القهرمان حتى ينقدها ويزنها ففعل فقالت‏:‏ أنقدت منه مائة دينار قال‏:‏ نعم قالت‏:‏ ادخل وكان لها من الجمال والهيئة ما الله أعلم به وكان لها بيت مُنَجَّد وسرير من ذهب فقالت‏:‏ هلم إلي فلما جلس منها مجلس الرجل الخائن ذكر مقامه بين يدي الله عز وجل أخذته رعدة وماتت شهوته فقال‏:‏ اتركيني أخرج ولك مائة دينار قالت‏:‏ ما بدا لك وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت وعالجت وكددت حتى جمعت مائة دينار فلما قدرت عليَّ فعلت الذي فعلت قال‏:‏ فرق من الله ومقامي بين يديه وقد بغضت إلي قالت‏:‏ لئن كنت صادقآ ما لي زوج غيرك قال‏:‏ ذريني لأخرج‏.‏

قالت‏:‏ لا إلا أن تجعل لي عهدًا أن تتزوجني قال‏:‏ لا حتى أخرج‏.‏

قالت‏:‏ خَلِّ عليك إني أحب أن تتزوجني قال‏:‏ لعل قال‏:‏ فيقبع بثوبه ثم خرج إلى بلده وارتحلت الأخرى بدنياها نادمة على ما كان منها حتى قدمت بلده فسألت عن اسمه ومنزله فدُنت عليه فقيل له‏:‏ الملكة جاءت تسأل عنك فلما رآها شهق شهقة فمات قال‏:‏ فأسقط في يديها فقالت‏:‏ أما هذا فقد فاتني فهل له من قريب قيل أخوه فقير فحضر قالت‏:‏ إني أتزوجك بحب أخيك قال‏:‏ فتزوجته فولدت له سبعة أبناء‏.‏

حديث بغي أخرى‏:‏ أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال‏:‏ أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال‏:‏ حدثنا ابن المرزبان قال‏:‏ حدثني أبو أحمد الخراساني قال‏:‏ حدثني أحمد بن أبي نصر قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن خالد قال‏:‏ حدثني أمية بن شبل عن عبد الله بن وهب قال إبراهيم‏:‏ لا أراه إلا عن أبيه‏:‏ إن عابدًا من عُباد بني إسرائيل كان يتعبد في صومعته فجاء نفر من الغواة إلى امرأة بغي فقالوا لها‏:‏ لعلك تزيلينه فجاءته في ليلة مظلمة فنادته فأشرف عليها فقالت له‏:‏ يا عبد الله آوني إليك أما ترى الظلمة والمطر فلم تزل به حتى آواها فاضطجعت قريبًا منه فجعلت تريه محاسن وجهها حتى دعته نفسه إليها فقال‏:‏ لا والله حتى أنظر كيف صبرك على النار فتقدم إلى المصباح فوضع إصبعًا من أصابعه فيه حتى احترقت ثم عاد إلى صلاته فدعته نفسه أيضًا وعاود المصباح فوضع إصبعه الأخرى حتى احترقت فلم تزل نفسه تدعوه وهو يعود إلى المصباح حتى احترقت أصابعه جميعًا وهي تنظر فضعفت المرأة فماتت‏.‏

حديث عفيف منهم عن المعاصي‏:‏ أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو إسحاق البرمكي قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين الزينبي قال‏:‏ أخبرنا ابن المرزبان قال‏:‏ أخبرني أحمد بن حرب قال‏:‏ حدثني عبد الله بن محمد قال‏:‏ حدثني أبو عبد الله البلخي‏:‏ أن شابآ كان في بني إسرائيل لم يُر شاب قط أحسن منه وكان يبيع القفاف فبينما هو ذات يوم يطوف بقفافه خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بني إسرائيل فلما رأَته رجعت مبادرة فقالت لابنة الملك‏:‏ يا فلانة إني رأيت شابًا يبيع القفاف لم أر شيئًا أحسن منه قالت‏:‏ أدخليه فخرجت إليه فقالت‏:‏ يِا فتى أدخل لنشتر منك فدخل فأغلقت الباب دونه ثم قالت‏:‏ ادخل فدخل فأغلقت بابًا آخر دونه ثم استقبلته بنت الملك كاشفة عن وجهها ونحرها فقال لها‏:‏ اشتري عافاك الله قالت‏:‏ إما لم ندعك لهذا إنما دعوناك لكذا يعني المراودة عن نفسه فقال لها‏:‏ اتقي اللُّه مّالت له‏:‏ إِنك إن لم تطاوعني على ما أريد أخبرت الملك انك إِنما دخلت علِى تكابدني على نفسي قال‏:‏ فأبى ووعظها فأبت فقال‏:‏ ضعوا لي وضوءآ فقالت‏:‏ أعليَّ نعلك يا جارية ضعوا له وضوءآ فوق الجوسق مكان لا يستطيع أن يفرمنه ومن الجوسق إلى الأرض أربعون ذراعأ فلما صار إلى أعلى الجوسق قال‏:‏ اللهم إني دعيت إلى معصية وأنا أختار أن أضر نفسي فألقيها من هذا الجوسق ولا أركب المعصية ثم قال‏:‏ بسم الله وألقى نفسه من أعلى الجوسق فأهبط الله له ملك فأخذ بضبعه فوقع قائماَ على رجليه فلما صار إلى الأرض قال‏:‏ اللهم إن شئت رزقتني رزقًَا يغنيني عن هذا القفاف قال‏:‏ فأرسل الله إليه جرادًا من ذهب فأخذ منه حتى ملأ ثوبه فلما صار في ثوبه قال‏:‏ اللهم إن كان هذا رزقًا رزقتنيه في الدنيا فبارك لي فيه وان كان ينقصني مماّ لي عندك من الآخرة فلا حاجه لي فيه فنودي إن هذا الذي أَعطيناك جزء من خمسة وعشرين جزءًا لصبرك على إلقائك نفسك من هذا الجوسق قال‏:‏ اللهم لا حاجة لي فيما ينِقصني مما عندك في الآخرة قال‏:‏ فرفع‏.‏

خبر ملك متزهد‏:‏ أخبرنا هبة الله محمد بن الحصين قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ أخبرنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أخبرنا المسعودي عن سماك حرب عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ بينما رجل ممن كان قبلكم في مملكته فتفكر فعلم أن ذلك منقطع عنه وأن ما هو فيه قد شغله عن عبادة الله فانساب ذات ليلة من قصره فأصبح في مملكة غيره فأتى ساحل البحر فكان يضرب اللبن بالأجر فيأكل ويتصدق بالفضل من قوته فلم يزل كذلك حتى رفع أمره إلى ملكهم فأرسل ملكهم إليه أن يأتيه فأبى فعاد إليه الرسول فأبى وقال‏:‏ ماله وما لي فركب الملك فلما رآه الرجل ولّى هاربأ فلما رأى ذلك الملك ركض في أثره فلم يحركه فناداه‏:‏ يا عبد الله إنه ليس عليك مني بأس فأقام حتى أدركه فقال له‏:‏ من أنت يرحمك الله قال‏:‏ أنا فلان ابن فلان صاحب ملك كذا وكذا ففكرت في أمري فعلمت أن ما أنا فيه منقطع عني وأنه قد شغلني عن عبادة ربي فتركته وجئت ها هنا أعبد ربي عز وجل قال‏:‏ ما أنت بأحوج إلى ما صنعت مني‏.‏

ثم نزل عن دابته فأطلقها ثم تبعه فكانا جميعًا يعبدان الله عز وجل فدعَوا الله أن يميتهما فماتا‏.‏

قال عبد الله‏:‏ فلو كنت برميلة مصر لأريتكم قبريهما بالنعت الذي نعت لنا رسول صلي الله علية وسلم‏.‏

حديث ابن ملك متزهد منهم‏:‏ أخبرنا محمد بن عبيد الله البضاوي قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا القاضي أبو الحسين بن أخي ميمي قال‏:‏ أ خبرنا أبو علي بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ أخبر مروان معاوية بن عمرو قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر العجلي قال‏:‏ أخبرنا أبو عقيل الدورقي عن بكر بن عبد الله المزني قال‏:‏ كان رجل من ملوك بني إسرائيل قد أعطي طول عمر وكثرة مال وكثرة أولاد وكان أولاده إذا كبر أحدهم لبس ثياب الشعر ولحق بالجبال وأكل من الشجر وساح في الأرض حتى يأتيه الموت ففعل ذلك جماعتهم حتى تتابع بنوه على ذلك فأصاب ولدًا بعد كبر فدعا قومه وقال‏:‏ إني أصبت ولدًا بعدما كبرت وترون شفقتي عليكم وإني أخاف أن يتبع هذا سنة إخوته وأنا أخاف إن لم يكن عليكم أحد من ولدي بعدي فبنوا له حائطًا فرسخًا في فرسخ فكان فيه دهرًا من دهر‏.‏

ثم ركب يومًا فإذا عليه حائط مصمت فقال‏:‏ إني أحسب أن خلف هذا الحائط أناسًا وعالمًا آخر فأخرجوني أزدد علمًا وألقى الناس‏.‏

فقيل ذلك لأبيه ففزع وخشي أن يتبع سنة إخوته فقال‏:‏ اجمعوا عليه كل لهو ولعب ففعلوا ذلك‏.‏

ثم ركب في السنة الثانية فقال‏:‏ لا بد من الخروج فأخبر بذلك الشيخ فقال‏:‏ أخرجوه فحمل على عجلة وكلل بالزبرجد والذهب وصار حوله حافتان من الناس‏.‏

فبينا هو يسير إذا هو برجل مبتلى فقال‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ رجل مبتلى فقال‏:‏ أيصيب ناسًا دون ناس أو كلَّ خائف له قالوا‏:‏ كل خائف له قال‏:‏ وأنا فيما أنا فيه من السلطان قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ أفّ لعيشكم هذا هذا عيش كدر‏.‏

فرجع مغمومأ محزونًا فقيل لأبيه فقال‏:‏ انشروا عليه كل لهو وباطل حتى تنزعوا من قلبه هذا الحزن والغمِ‏.‏

فلبث حولاَ ثم قال‏:‏ أخرجوني فأخرج على مثل حاله الأول فبينا هو يسير إذا هو برجل قد أصابه الهرم ولعابه يسيل من فيه فقال‏:‏ ما هذا‏.‏

قالوا‏:‏ رجل قد هرم قال‏:‏ يصيب ناسًا دون ناس أو كلَّ خائف له إن هو عُمِّر قالوا‏:‏ كل خائف له قال‏:‏ أفٍّ لعيشكم هذا هذا عيش لا يصفو لأحد‏.‏

فأخبر بذلك أبوه فقال‏:‏ احشروا عليه كل لهو وباطل‏.‏

فحشروا عليه‏.‏

فمكث حولًا ثم ركب على مثل حاله‏.‏

فبينا هو يسير إذا هو بسرير تحمله الرجال على عواتقها فقال‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ رجل مات قال لهم‏:‏ وما الموت ائتوني به فأتوه به فقال‏:‏ أجلسوه فقالوا‏:‏ إنه لا يجلس قال‏:‏ كلموه قالوا‏:‏ إنه لا يتكلم‏.‏

قال‏:‏ فأين تذهبون به قالوا‏:‏ ندفنه تحت الثرى قال‏:‏ فيكون ماذا بعد هذا قالوا‏:‏ الحشر قال‏:‏ وما الحشر قالوا‏:‏ ‏"‏ يوم يقوم الناس لرب العالمين ‏"‏ حفاة عراة مكشفي الرؤوس فيجزى كل واحد على قدر حسناته وسيئاته قال‏:‏ ولكم دار غير هذه تجازون فيها قالوا‏:‏ نعم فرمى بنفسه من الفرس وجعل يعفر وجهه في التراب وقال لهم‏:‏ من هذا كنت أخشى كاد هذا يأتي عليّ وأنا لا أعلم به أمَا وربّ من يعطي ويحشر ويجازي إن هذا آخر الدهر بيني وبينكم فلا سبيل لكم عليّ بعد هذا اليوم فقالوا‏:‏ لا ندعك حتى نردّك إلى أبيك‏.‏

قال‏:‏ فردّوه إلي أبيه وقد كاد ينزف دمه فقال له‏:‏ يا بنيَّ ما هذا الجزع قال‏:‏ جزعي ليوم يجازى فيه الصغير والكبير على ما عملا من خير وشر‏.‏

فدعا بثياب من الشعر فلبسها وقال‏:‏ إني عازم في الليل أن أخرج‏.‏

فلما كان في نصف الليل أو قريبًا منه خرج فلما خرج من باب القصر قال‏:‏ اللهم إني أسألك أمرًا ليس لي منه قليل ولا كثير وقد سبقت فيه المقادير‏.‏

إلهي لوددت أن الماء كان في الماء وأن الطين كان في الطين ولم أنظر بعيني إلى الدنيا نظرة واحدة‏.‏

قال بكر بن عبد الله‏:‏ فهذا رجل خرج من ذنب واحد لا يعلم ما عليه فيه فكيف بمن يذنب وهو يعلم بما عليه ولا يتحرج ولا يجزع ولا يتوب‏.‏

حديث أنطونس السائح

أخبر عبد الله بن علي المقري قال‏:‏ أخبرنا طراد بن محمد الزينبي قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال‏:‏ حدثنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ حدَّثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ ذكروا أن ملكًا بعد زمان المسيح عاش ثلاثمائة وعشرين سنة فلما حضرته الوفاة بعث إلى ثلاثة نفر من عظماء أهل مملكته فقال لهم‏:‏ قد نزلتم بي ما ترون وأنتمِ رؤوس أهل مملكتكم ولا أعرف أحدًا أولى بتدبير رعيتكم منكم وقد كتبت عهداَ جعلته إلى ستة نفر من خياركم ليختاروا رجلًا منكم لتدبير مملكتكم فسلموا ذلك لمن اجتمع عليه ملأكم وإياكم والاختلاف فتهلكون أنفسكم ورعيتكم فقالوا‏:‏ بل يمن الله علينا بطول مدتك فقال‏:‏ دعوا هذه المقالة واقبلوا على ما وصفت لكم فلم تمض غير ليلة حتى هلك فدب أولئك الثلاثة إلى الستة فصار كل رجلين من الستة يدعوان إلى رجل من الثلاثة فلما رأى ذلك حكماؤهم قالوا‏:‏ قد افترقت كلمتهم وبحضرتكم من لا يتهم في حكمه فمن أشار إليه منكم سلمتم هذا الأمر له وكان بحضرتهم رجل سائح يقال له انطونس في غار معروف قد تخلى عن الدنيا فاجتمعت كلمتهم على الرضا بمن أشار إليه السائح فوكلوا بالمملكة رجلًا من الستة وانطلق الثلاثة إليه يقصون عليه قصتهم فقال‏:‏ ما أرى أني انتفعت باعتزالي عن الناس ومثلي كمثل رجل كان في منزل غشيه فيه الذباب فتحول إلى منزل فغشيه فيه الأسد فقالوا‏:‏ وما عليك أن تشير إلى أفضلنا في نفسك قال‏:‏ ما علمي بأفضلكم وأنتم جميعًا تطلبون أمرًا واحدًا وأنتم فيه سواء‏.‏

فطمع بعضهم إن هو أظهر الكراهية للملك أن يشير إليه فقال‏:‏ أما أنا فغير منساح لصاحبيّ هذين في الملك وإن السلامة لدي لفي اعتزال هذا الأمر قال السائح‏:‏ ما أظن صاحبيك يكرهان اعتزالك فأشر إِليَّ بأحدهما وأتركك قال‏:‏ بل تختار ما بدا لك قال‏:‏ ما أراك إلا قد نزعت عن قولك فصرتم عندي بمنزلة واحد غير أني سأعظكم وأضرب لكم أمثال الدنيا وأمثالكم فيها وأنتم أعلم فأخبروني هل عرفتم غايتكم من العمر قالوا‏:‏ لا لعل ذلك يكون طرفة عين قال‏:‏ فلم تخاطرون بهذه الغرة قالوا‏:‏ رجاء طول المدة قال‏:‏ كم أتت عليكم سنة قالوا‏:‏ أصغرنا ابن خمس وثلاثين وأكبرنا ابن أربعين قال‏:‏ فاجعلوا أطول ما ترجون من العمر مثل سنيكم التي عمرتم قالوا‏:‏ لسنا نطمع في أكثر من ذلك ولا خير في العمر بعد ذلك قال‏:‏ أفلا تبتغون فيما بقي من أعماركم ما ترجون من مُلك لا يبلى ونعيم لا يتغير ولذة لا تنقطع وحياة لا يكدرها الموت ولا تنغصها الأحزان ولا الهموم ولا الأسقام قالوا‏:‏ إنا نرجو أن نصيب ذلك بمغفرة من الله ورحمة قال‏:‏ قد كان من أصابه العذاب من القرون الأولى يرجون من الله ما ترجون و ألا يؤملون ما تؤملون ويصيعون العمل حتى نزل بهم من العقوبة ما بلغكم يوشك من سلك المفازة بغير ماء أن يهلك عطشًا أراكم تتكلون على الرجاء في هلاك أبدانكم ولا تتكلون عليه في صلاح معايشكم أرأيتك مدائنكم التي بنيتموها واعتقدتم فيها الآيات لو قيل لكم سينزل عليكم ملك بجيوشه فيعم أهلها بالقتل وبنيانها بالهدم هل كنتم تطيبون نفسأ بالمقام فيها والبنيان بها قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ فو الله إن أمر هؤلاء الآدميين لصائر إلى هذا قالوا‏:‏ قد أشربت قلوبنا حب الدنيا قال‏:‏ مع الأسفار البعيدة تكون الأرباح الكثيرة فيا عجبَاَ للجاهل والعالم كيف استويا في هلاك أنفسهما ألا أن الذي يسرق ولا يعرف عقوبة السارق أعذر من العارف بعقوبته وإني أرى هذا العالم يبذلون أنفسهم دون أموالهم فكأنهم لا يصدقون بما يأتيهم به أنبياؤهم‏.‏

قالوا‏:‏ ما سمعنا أحدًا من أهل الملك يكذب شيئًا مما جاءت به الأنبياء قال‏:‏ من ذلك أشتدّ عجبي من اجتماعهم على التصديق ومخالفتهم في الفعل قالوا‏:‏ أخبرنا كيف أول معرفتك للأمور‏.‏

قال‏:‏ منْ قِبل الفكر تفكرت في هلاك هذا العالم فإذا ذلك من قِبل أربعة أشياء جُعلت فيهن اللذات وهي أربعة أبواب مركبة في الجسد منها ثلاثة في الرأس‏:‏ العينان والمنخران والحنك وواحد في البطن وهو الفرج فالتمست خفة المؤونة في هذه الأبواب فوجدت أيسرها مؤونة باب المنخرين ثم التمست الخفة المؤونة الحنك فإذا هو غذاء لا قوام للجسد إلا به فإذا صارت تلك المؤونة في الوعاء استقرت فتناولت ما تيسر من المطعم والمشرب وصرت بمنزلة رجل كان يتخذ الرماد من الخلنج والصندل فثقلت عليه المؤونة فاتخذ الرماد من الزبل والحطب‏.‏

ونظرت في مؤونة الفرج فإذا هو والعينان موصلان بالقلب فلم أجد شيئًا أصلح لهما من العزلة وَبَغض إلى منزلي الذي كان فيه مقامي مع من لا يعقل إلا أمر دنياه فتخببت هذا المنزل فقطعت عني أبواب الخطيئة وحسمت في نفسي لذات أربعًا وقطعتهن بخصال أربع‏.‏

قالوا‏:‏ ما اللذات قال‏:‏ المال والبنون والأزواج والسلطان فقطعتهن بالهموم والأحزان والخوف وذكر الموت‏.‏

وقطعت ذلك أجمع بالعزلة وأي خير في لذة والموت يعقبها كونوا كرجل خرج مسافرًا فغشي مدينته العدو فأصابوا أهلها فحمد الله على ما صرف عنه ولقد عجبت كيف ينتفعون بلذتها مع همومها وأحزانها وما تجرعهم من مرارتها بعد حلاوتها واشتد عجبي من أهل العقول كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب الحية قالوا‏:‏ أخبرنا كيف كان أمر صاحب الحية‏.‏

قال‏:‏ زعموا أن رجلأ كان في داره حية قد عرفوه مكانها وكانت تلك الحية تبيض كل يوم بيضة من ذهب فخرجت يومًا فنهشت عنزًا لهم حلوبًا فهلكت فجزع الرجل وأهله وقالوا‏:‏ الذي نصيب من الحية أفضل من ثمن العنز فلما كان رأس الحول غدت على خمار فنهشته فقتلته فجزع الرجل وقال‏:‏ سنصبر على هذه الآفات ما لم تعدُ البهائم‏.‏

ثم مر عامان لا تؤذيهم وهم مسرورون بجوارها إذ عدت على عبد الرجل فنهشته فهلك فجزع وقال‏:‏ ما آمن أن يلسع بعض أهلي فمكث حزينًا خائفَاَ وقال‏:‏ أرى سم هذه الحية في مالي وأنا أصيب منها أفضل مما رأيت‏.‏

فلم يلبث إِلا يسيرًا حتى نهشت ابن الرجل فارتاع ودعا بالدرياق وغيره فلم يغن عنه وهلك الغلام فاشتد جزع والديه ونسيا كل لذة أصاباها وقالا‏:‏ لا خير لنا في جوار هذه الحية والرأي قتلها‏.‏

فلما سمعت الحيهّ ذلك تغيبت عنهم أيامًا لا يرونها ولا يصيبون من بيضها فلما طال ذلك عليهما تاقت أنفسهما إلى ما كانا يصيبان منها فأقبلا على حجرها وجعلا يقولان‏:‏ ارجعي ولا تضرينا ولا نضرك فرجعت فمكثت عامين لا يذكرون منها شيئًا ثم دنت إلى امرأة الرجل فنهشتها فصاحت فثار زوجها يعالجها بالدرياق فلم يغن عنها وهلكت المرأة فبقي الرجل كئيبأ وأظهر أمر الحية لإخوانه وأهل وده فأشاروا عليه بقّتلها وقالوا‏:‏ لقد فرطت في أمرها حين تبين لك غدرها ولقد كنت مخاطرًا بنفسك فعزم على قتلها‏.‏

فبينا هو يراصدها اطلع في حجرها فرأى فيه درة صافية وزنها مثقال فلزمه الطمع وقال‏:‏ لقد غير الدهر طبع هذه الحية ولا أحسب سمها إلا قد تغير فجعل يتعاهد حجرها بالكنس والبخور ورش الماء وعمد إلى ما كان عنده من الذهب فعمل منه حُقًا فجعل فيه ذلك الدرر وجعل الحُق تحت رأسه فبينما هو ذات ليلة نائم ذهبت إِليه فنهشته فجعل يستغيث بصوت عال فأقبل عليه أهله وجيرانه يلومونه فأخرج إليهم الحق وأراهم ما فيه فقالوا‏:‏ ما أقل غنا هذا عنك اليوم فهلك فقالوا‏:‏ أبعده الله هو قتل نفسه‏.‏

قال‏:‏ ولقد عجبت لأهل العقول يعرفون الأمر الذي ضربنا له هذه الأمثال ولا ينتفعون بالمعرفة ويل لهم لو قد أصابهم ما أصاب صاحب الكرم قالوا‏:‏ وكيف كان ذلك قال‏:‏ زعموا أنه كان رجل له كرم واسع كثير العنب متصل الشجر فاستأجر لكشح الكرم وقطفه ثلاثة ووكل كل رجل بناحية وقال‏:‏ كلوا من العنب ما شئتم وكفوا عن هذه الثمار‏.‏

فأخذ أحدهم على حفظ ما أمر به وقبع يأكل العنب وحده وفعل الآخر مثل ذلك حينًا ثم تاقت نفسه إلى الثمار فتناولها وأقبل الثالث على أكل الثمار وترك العمل ففسدت ناحيته فقدم صاحب الكرم فحمد الأول وأعطاه فوق أجره وعاقب الثاني بقدر ذنبه وبالغ في عقوبة الثالث‏.‏

فهكذا أعمالكم في الآخرة يوم تجزى كل نفس ما عملت‏.‏

قال‏:‏ ولقد عجبت لأهل الأمل وطمعهم في طول العمر ووجدت أعدى الناس الأولاد استكثر الآباء لهم وأتعبوا أنفسهم في إصلاح معايشهم بهلاك أنفسهم كصاحب السفينة قالوا‏:‏ كيف كان ذلك قال‏:‏ زعموا أنه كان رجل نجار يعمل بيده فيصيب كل يوم درهمًا ينفق نصفه على أب له شيخِ كبير وامرأة له وابن وبنت ويدخر لنفسه نصفه فعمل زمانًا وعاش بخير فنظر يوماَ فإذا هو قد استفضل مائة دينار فقال‏:‏ لو عملت سفينة واشتغلت بتجارة البحر رجوت أن أتمول فقال له أبوه‏:‏ لا تفعل فإن رجلًا من المنجمين أخبرني أيام ولدت أنك تموت غريقَاَ قال‏:‏ فما أخبرك أَني أصيب مالًا قال‏:‏ بلى لذلك نهيتك عن التجارة والتمست لك عملًا تعيش فيه يومًا بيوم قال‏:‏ اتجِرُ وان عشت عشت بخير وإن مت تركت أولادي بخير قال‏:‏ يا ولدي لا يكونن ولدك آثر عندك من نفسك‏.‏

فعمل سفينة وركب فيها بتجارة فغاب سنة ثم قدم بمائة قنطار ذهبًا فحمد الله والده وقال‏:‏ يا بني إني كنت نذرت لله تعالى إن ردك سالمآَ أن أحرق السفينة قال‏:‏ لقد أردت هلاكي قال‏:‏ إنما أردت حياتك فاقبل على الشكر فقد أصبت غنى الدهر فلم يقبل وخرج فغاب سنة وبعض أخرى فقدم بأضعاف ما قدم به أو لمرة فقال لأبيه‏:‏ لو كنت أطعتك لم اصب هذا المال قال‏:‏ يا بُني إنما أراك تعمل لغيرك وسيجرعك ما ترى غُصة فتتمنى لو كان بينك وبين هذه البلدة جبال المشرق قال‏:‏ يا أبت أرجو أن يكون المنجم أصاب في الغنى وأخطأ في الغرق‏.‏

ثم صنع سفينة أخرى فبكى أبوه فرق لذلك وقال‏:‏ يا أبت والله لئن ردني الله سالمًا لا ركبت بحرًا ما عشت قال‏:‏ يا بني اليوم أيقنت تفقدك‏.‏

فمضى فلما توسط البحر أصابه موج فضربت إِحدى سفينته الأخرى فانصدعتا فغرقتا فجعل يتأسف على عصيان أبيه وهلك ومن معه فبلغ الخبر أباه فكمد حتى هلك وقسم الميراث على امرأة التاجر وابنه وابنته فتزوجوا وصار ذلك المال إلى أزواجهن فكل ما يجمع الأشقياء إلى ذلك يصير‏.‏

ولقد عجبت للمؤثر على نفسه المؤثر غيره ويحك ما تبلغ بالكفاف لا تؤثر غيرك فتلقى ما لقي صاحب الحوت قالوا‏:‏ ما لقي قال‏:‏ زعموا أن صياد سمك أصاب في صيده حوتًا عظيمًا فقال‏:‏ ما حد أحق بأكله مني ثم بدا له فأهداه إلى جاره فأهد الجار إلى مقعد مسكين فجعل الصياد يندم ويقول‏:‏ حرمته نفسي وصار إلى أعدى الناس لي‏.‏

ولقد عجبت لهذا الشغل الذي غرّ العقلاء و الجهال حتى هلكوا جميعًا بالرجاء والطمع كما هلك اليهودي والنصراني قالوا‏:‏ وكيف كان ذلك قال‏:‏ اصطحب يهودي ونصراني إلى أرض فصارا في عمران ومياه إلى أن انتهيا إلى بئر وراءها مفازة مسيرتها أربعة أيام ومع كل واحد منهما قربته فملأ اليهودي قربته وأراد النصراني أن يملأ قربته فقال له اليهودي‏:‏ تكفينا قربتنا هذه ولا ننقل دوابنا فقال النصراني‏:‏ أنا أعلم بالطريق فقال اليهودي‏:‏ تريد إِلا أن تشرب الماء كلما عطشت قال‏:‏ نعم فترك النصراني قربته فارغة فلما توسط المفازة أصاب القربة سهم فنفد ما فيها فقعدا يتلاومان فمر بهما رجل معه ماء فقالا‏:‏ احتسب علينا شربة من ماء فقال‏:‏ هذا طريق ليس فيه حسبه قالا له‏:‏ فما دينك قال‏:‏ فما دينكما أنتما‏.‏

قالا‏:‏ فإن أحدنا يهودي والآخر نصراني فقال‏:‏ اليهودي والنصراني والمسلم إذا لم يعمل بما في كتابه واتكل على الطمع لقي ما لقيتما فقالا‏:‏ هذا رجل حازم قال‏:‏ ما يغني عنكما حزمي‏.‏

فينبغي للعاقل أن يأخذ بالحزم في أمر آخرته كما يأخذ بالحزم في أمر دنياه ولا يتكل على الطمع‏.‏

ولقد عجبت لأهل الأعمال السيئة يستترون من الخلق دون الخالق كيف أمنوا أن يصيبهم ما أصاب صاحب الدير‏.‏

قالوا‏:‏ كيف كان ذلك‏.‏

قال‏:‏ زعموا أن رجلًا كان يبيع العسل والزيت والسمن يشتريه نقيًا ويبيعه مغشوشًا وكان ذا لحية عظيمة وكان أكثر من يراه يقول‏:‏ لو كنت أسقفًا فما صلحت لحيتك إلا للأساقفة فأقبل على تعلم الإنجيل والمزامير وترهب طلبًا للدنيا فولوه أمرهم فنقص أرزاقهم وغير مراتبهم وتفرغ للذته فانتدب له سياط فجعل يلوم الرهبان ويقول‏:‏ هذا ما عمل بكم حسن نظركم في طول اللحى ثم آل أمره إلى أن أحرق‏.‏

ولقد عجبت لأهل المصائب كيف ألا يستعينون بالصبر وإنه سيآتي على صاحب المصيبة يوم يتمنى فيه مثل ما يتمنى الأعمى في مصيبته‏.‏

قالوا‏:‏ وما‏.‏

تمنى الأعمى قال‏:‏ زعموا أن تاجرًا دفن مائة دينار في موضع فبصر بها جار له فأخرجها وأخذها فلما فقدها التاجر جزع ثم طال به العمر فعمي واحتاج فلما حضرت جاره الوفاة أوصى برد المال إلى الأعمى فسر سرورًا شديدًا إذ رد إليه المال أحوج ما كان إليها فقال‏:‏ ليت كل ما لي قبض يومئذ‏.‏

وكذلك من له عمل صالح‏.‏

ولقد عجبت من فقد عقولهم كيف لا يعملون بما يعلمون كأنهم يريدون أن يهلكوا كما هلك صاحب السيل قالوا‏:‏ وكيف كان ذلك‏.‏

قال‏:‏ زعموا أن رجلا نزل بطن مسيل فقيل له‏:‏ تحول فهذا منزل خطر قال‏:‏ قد علمت ولكن يعجبني نزهته فقيل‏:‏ إنما تطلب الرفق لصلاح نفسك فلم تخاطر بها فغشيه السيل فذهب به فقالوا‏:‏ أبعده الله‏.‏

قال أنطونس‏:‏ فلو أخذنا بالحزم كنا كأصحاب أصقولية قيل‏:‏ كيف كان ذلك قال‏:‏ بعث ملك أصقولية بعثًا إلى أقزوليه وكان المسير إليها في البحر ستين ليلة ولا زاد معهم إلا ما حملوه معهم وكان مع أصحاب أصقولية كاهنان فقال أحدهما‏:‏ أما إن هذا الجيش لأصقولية سيقمون على أقزولية سبعة أيام يرمونها بالمجانيق وتفتح في اليوم الثامن فقال الآخر‏:‏ تقيمون سبعة وتنصرفون فعمل بعضهم على قول من قال بفتحها فقالوا‏:‏ لا نعني أنفسنا بحمل الزاد وقال الآخرون‏:‏ لا نخاطر فحملوا للبدأة والرجعة‏.‏

فلما نزلوها لم تفتح فرجعوا فهلك من فرط في حمل ا لزاد‏.‏

فقال النفر لأنطونس‏:‏ ما أحسن كلامك وأبلغ موعظتك فقال‏:‏ أما إن حلاوة موعظتي لا تتجاوز آذانكم إن لم تعلموا أن جميع كتب الأنبياء إنما تجزون ما كنتم تعملون وانظروا في أعمالكم وانصرفوا عني فاقترعوا بينهم وملكوا أحدهم‏.‏

ذكر نسبه‏:‏ هو محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصيّ بن كِلاب بن مُرة بن كَعبْ بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النّضْر بنِ كِنانة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكةَ بن إليْاس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عَدْنان‏.‏

ولا يختلف الناسبُون إلى عدنان‏.‏

ثم يختلفون فيما بعده فبعضهم يقول‏:‏ عَدْنان بن أُد ّبن أدَد بن الهميْسع بن حميل بن النَّبت بن قَيذَار بن إسماعيل بن إبراهيم‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ عدنان بن أدد من غير ذكر‏:‏ أد‏.‏

ومن حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ مَعَدّ عَدْنَانَ بنِ أعَد َبن زنْد بن يَرَى بنِ أعْرَاقِ الثرى‏.‏

قالت أم سلمة فزَنْد هو‏:‏ الهَميْسَع ويَرَى هو‏:‏ نبت وأعراق الثرى‏:‏ هو إسماعيل كذلك حكى الزبير بن بكار‏.‏

وحكي أيضآ أن أعَرْاقَ الثَرَى‏:‏ إبراهيم لأنهم لمَّا رأوه لم تحرقه النار قالوا‏:‏ ما هو إلَّا أعْرَاق الثَرىَ‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ هكذا ضبطه أبو زيد‏.‏

وقد حُدثنا عن أبي أحمد العسكري قال‏:‏ إنما هو زند بالنون مثل اسم أبى دلامة‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ عَدْنان بن اعُدَ بنِ مُقَوِّم بنِ ناحور بن يَتْرَح بن يَدْرُبْ بن يَشْجُبَ بن أيوب بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم‏.‏

وقد ذكر بعضهم بين معد وإسماعيل أربعين أبًا‏.‏